بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العرش العظيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم.
أكتب هذه الكلمات لأذكر نفسي في قادم الأيام أن كرباً مر بي، فمزقني كل ممزق! ونثرني قطعاً على صفيح فرن ملتهب بنار الحيرة! في تلك الأيام لم يكن لي من ملجأ إلا الله، عظيم الجلال كريم الفعال جزيل النوال منيل السؤلا.
أكتب هذه الكلمات لأن الإنسان ينسى! ففي الكرب يدعو ربه على كل حال، ماشياً أو قاعداً، واقفاً أو جالساً، حتى إذا فرج الله ما ألم به نسي وكأن شيئاً لم يكن!
مر علي هذا الكرب وضاقت بي الدنيا أياماً معدودات لم أذق فيها الراحة للحظة! أدركت فيها ثقل الألم حين يستمر ولا ينقطع عن الإنسان! ولكن في نفس الوقت أدركت كيف يرق القلب لمناجاة ربه في تلك اللحظات، وكيف تنهمر الدموع من خشيته وكيف يرق القلب بأنس مناجاة خالقه!
دام الحال على هذا قرابة الأسبوع، وكان آخر يوم أشدها علي! ولكن بعد ذلك الأسبوع، زال الألم فجأة واستراح القلب رغم أن المشكلة لم تحل بعد، ولكن شيئاً ما تغير! شيء في النفس أو في الروح ربما، لست أدري، لكن شيئاً كبيراً تغير تماماً في!
خرجت من الألم، هذا ما أعرفه تماماً وإن لم أعرف بعد كيف أخرج من المشكلة بحد ذاتها، ولكن الألم اختفى ولم يعد يثقل القلب أو العقل، وقد كان ثقله لا يبرحهما! وخرجت وقد صرت أدوام على صلاة الفجر في المسجد، وكان دافعي أن أكون في ذمة الله في تلك الأيام العصيبة التي كانت تمر علي! ولكني الآن لا أستطيع ألا أذهب للصلاة في المسجد ما استطعت إلى ذلك سبيلا! ولماذا لا أذهب والأمر لا يأخذ من الوقت والجهد ما يبرر أي فوات لغنيمة كهذه!
وخرجت بورد يومي من الصلاة على حبيبنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كنت في تلك الأيام أبحث عن أي شيء يمكن أن يخفف عني ذاك الألم الذي اعتراني! وهل مثل الصلاة على خير خلق الله من دواء لألم القلوب! والغريب أننا نتفق على ضرورة وجود مثل هذا الورد في حياتنا ولكنها النفس والتسويف والتأجيل والجهل بالخير! وأحياناً تكون قلة التوفيق من الله نعوذ من خالقنا من أن نكون من أولئك!
وخرجت بقلب مختلف تماماً، دخل قلبي هذا الأتون الملتهب، وانكوى بالنار أياماً لا يدري ما يُفعل به ولا ما يفعل هو بنفسه! مرت أيام ثقيلة جداً كنت أفر فيها من كل شيء حولي للأنس بمناجاة الله، أبكي بين يديه وألوذ ببابه مما ألم بي، فتتنزل الرحمات إلى دعاء المضطر إذا دعاه من راحمنا وسامع الدعوات! وكل ما يدخل تلك الأفران يخرج شيئاً مختلفاً تماماً! فالزجاج لا يشف ولا يصفو إلى بعد أن يتسعر بذلك اللهيب! وكذلك السيف الذي لا يشتد ولا يقوى صلبه إلا بعد أن يذوب في أتون النار تحرقه وتصهره وتعيد ترتيب ذراته كلها! وهذا مان في تلك الأيام التي مررت بها، ولكن دوماً لك الحمد يا رب، ما دقت النبضات وارتفعت إليك الدعوات!
والأهم من هذا وذاك، هو الفرح والأنس بلقاء الله ومناجاته في عتمة الليل إذا أرخى سدوله! فلك الحمد يا رب على كل حال من أحوال هذه الدنيا، وأدعوك يا ربي أن تفرج عني ما أنا فيه، وأن تختار لي فإني لا أحسن الاختيار، وأن تدبر لي فإني لا أحسن التدبير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
اللهم أخرجني من ضعفي إلى قوتك، ومن عجزي إلى قدرتك، ومن جهلي إلى علمك، ومن فقري إلى غناك وفضلك، ومن تيهي إلى هداك ورشدك، ومن قلة حيلتي إلى عونك ومددك، ومن هواني على الناس إلى عزتك ونصرتك، ومن تدبيري إلى تدبيرك، ومن اختياري إلى اختيارك، ومن عملي وجهدي إلى منك وكرمك، ومن مرضي وسقمي إلى شفاءك وطهورك، ومن تفريطي إلى بركتك، ومن ضيق عيشي إلى سعة رحمتك، ومن همي وكربي إلى أنس اللقاء بك، ومن ذنبي إلى مغفرتك، ومن نفسي إليك يا ذا الجلال والإكرام. والصلاة والسلام على نبيه الكريم.
والحمد لله رب العرش العظيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم.